فصل: مسألة يموت فيقسم ورثته ميراثه ثم يأتي رجل فيقيم البينة أنه ولده:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يموت فيقسم ورثته ميراثه ثم يأتي رجل فيقيم البينة أنه ولده:

ومن كتاب العرية:
قال وسألت ابن القاسم عن الرجل يموت فيقسم ورثته ميراثه، ثم يأتي رجل فيقيم البينة أنه ولده ويثبت نسبه، ويعدم بعض الورثة؟ قال: ينظر إلى ما صار بيد كل وارث من حقه أن لو كان أولا معهم فيتبع المعدم بما صار عليه، والمليء بما صار عليه، ولا يأخذ من المليء عن المعدم، بمنزلة ما لو هلك رجل وترك أمه وأخاه، فأخذت الأم الثلث، والأخ الثلثين، ثم جاء رجل فاستحق أنه أخوه، فأخذ من الأم السدس، ومن الأخ الربع، يتبع الأم بالسدس- مليئة كانت أو معدمة، والأخ بالربع مليئا كان أو معدما. قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، أعلمه، وكذلك حكم الغريم يطرأ على الغرماء، والموصى له على الموصي لهم، فإن وجد بأيديهم ما قبضوا قائما لم يفت، أخذ من كل واحد منهم ما يجب له، ولم تنتقض القسمة إن كان ذلك مكيلا أو موزونا، وإن كان حيوانا أو عروضا، انتقضت القسمة، لما يدخل عليها من الضرر في تبعيض حقهم، واختلف هل يضمن كل واحد منهما للطارئ ما ينوبه مما قبض إن قامت له بينة على تلفه من غير سببه أم لا على قولين، أحدهما: أنه ضامن لذلك. والثاني: أنه لا ضمان عليه فيه، فإذا قلنا: إنه ضامن مع قيام البينة، فتلزمه القيمة يوم القبض بالتفويت بالبيع والهبة والصدقة والعتق وما أشبه ذلك، وإذا قلنا: إنه لا ضمان عليه مع قيام البينة، فلا يضمن بالتفويت بالبيع والعتق والهبة والصدقة، ولا يلزمه في البيع إلا حظ الطارئ من الثمن الذي قبض إن جاز البيع واختار أخذ الثمن، ويصدق في دعوى التلف- إن لم تكن له بينة فيما لا يغاب عليه دون ما يغاب عليه، وقد قيل: إنه في العتق ضامن دون ما سواه- وإن قامت البينة على تلفه وهو مذهب أصبغ، وظاهر رواية يحيى عن ابن القاسم، وذلك كله بخلاف الغريم يطرأ على الورثة، أو على الموصى لهم بالثلث وعلى الورثة، وبخلاف طرو الموصى له بعدد على الورثة بعد القسمة، والحكم في ذلك يتشعب، وقد تكلمنا على ذلك في غير هذا الكتاب، واختلف في طرو الموصى له بجزء على الورثة، فقيل: إنه بمنزلة طرو الوارث على الورثة- وقيل: إنه بمنزلة طرو الغريم أو الموصى له بعدد على الورثة، وبالله التوفيق.

.مسألة ادعت أن رجلا قد هلك كان أباها:

من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن امرأة ادعت أن رجلا قد هلك كان أباها وأتت بالبينة أن ذلك الرجل كان مقرا في صحته أنها ابنته، ولا يعلم الشهود أن أمها كانت امرأة ذلك الرجل ولا أمة له- وهم جيرانه ومعه في موضع واحد، والرجل الذي كان مقرا بهذه الجارية أنها ابنته رجل حسن الحال، غير متهم بالفسق، وكيف إن كان من أهل التهم؟ فقال: لا ينظر في مثل هذا إلى حال الرجل المقر إذا كان يرى أنه إنما أقر بها من حلال، فنسبها ثابت، وميراثها منه واجب- وإن لم تعرف أمها في ملكه حرة ولا مملوكة، إلا أن يقر بها على وجه يعرف الناس به كذبه بالأمر الذي لا شك فيه، فلا يقبل قوله، أو يقربها على سبب فسق، فلا يثبت لها به نسب، وسواء كان المقر صالحا أو غير صالح، الحكم فيهما سواء.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى من القول عليها ما فيه كفاية في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، ويأتي في نوازل أصبغ ما فيه زيادة على ذلك- إن شاء الله، وبالله التوفيق.

.مسألة يموت وله ولد معروف ثابت النسب:

ومن كتاب الصلاة:
وقال ابن القاسم: في الرجل يموت وله ولد معروف ثابت النسب، ثم يدعي رجل أنه ابن الهالك ويأتي بشاهد، أنه لا يحلف مع شاهده ولا يستحق شيئا من الميراث، إلا بشاهدي عدل يشهدان على إثبات نسبه إذا أنكره أخوه؛ فإن أقر له، أعطاه نصف الميراث، ولم يثبت له بإقرار الأخ نسب يوارثه به هو ولا غيره من قرابة الهالك، قال: وكذلك المرأة تدعي أن الميت زوجها، أو يقوم معها من يدعي ميراث الميت، فيأتي كل واحد منهم بشاهد ويريد أن يستحق ميراثه باليمين مع الشاهد، أن ذلك لا يكون لواحد منهم إذا ادعوا ذلك وللميت وارث قد ثبت نسبه بالبينات، وإنما يستحق الميراث باليمين مع الشاهد من جاء يطلبه وليس للميت وارث قد أثبت نسبه بالبينات، فإن من جاء يزعم أنه ولد الميت ولم يأت إلا بشاهد واحد ولم يدع ميراثه أحد يحق نسبه بالبينة، حلف مع شاهده وأخذ ميراثه؛ لأنه إنما يستحق مالا من الأموال، ولا يثبت له بالذي استحق بيمينه مع شاهده- نسب يوارثه به أحد من قرابة الميت ولا يجر به ولا أحد من مواليه، قلت له: أرأيت إن حلف مع شاهده- وللميت بنت ثابتة النسب بالبينة؟ قال: يستحق ما بعد النصف الذي ترث الابنة وإن كانتا اثنتين، فإنما له الثلث الباقي، قيل له: فإن جاءت المرأة تزعم أنها امرأته، فجاءت بشاهد وليس له وارث ثابت النسب بالبينة، قال: تحلف مع شاهدها وتأخذ ميراثها، ولا يثبت لها بذلك نكاح ولا لولدها، إن كانت حاملا- نسب، قيل له: فالرجل يدعي ميراث رجل يزعم أنه مولاه، فيأتي على ذلك بشاهد أيحلف مع شاهده ويستحق ميراثه؟ قال: نعم، ولا يثبت له بذلك ولاء موالي ذلك المولى، إن مات أحد منهم فأراد أخذ ميراثه، كان عليه أن يأتي أيضا بشاهد فيحلف معه أنه مولاه، ثم يستحق ميراثه، ولا يجزئه الشاهد الأول الذي كان حلف مع شهادته على الميراث الأول.
قال محمد بن رشد: قوله إنه لا يحلف مع شاهده على استحقاق النكاح صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن اليمين مع الشاهد لا يكون عند مالك وأصحابه إلا في الأموال، واختلفوا فيما جر إلى الأموال كالوكالة عليها وشبه ذلك، وأما قوله أن الميراث يستحقه باليمين مع الشاهد من جاء يدعيه ولا وارث للميت معروف النسب، فهو مثل قوله في المدونة- وزاد فيها بعد الاستيناء، وقال أشهب لا يستحقا الميراث باليمين مع الشاهد- وإن لم يكن للميت وارث معروف؛ لأن الميراث لا يستحق إلا بعد ثبوت النسب وكذلك يختلف أيضا إذا ادعت امرأة على رجل أنه تزوجها وطلقها قبل الدخول أو بعده، وأتت على ذلك بشاهد واحد، فقيل: إنها تحلف مع شاهدها وتستحق نصف الصداق- إن لم يدخل بها، وجميعه إن دخل بها، وقيل: إنه ليس لها أن تحلف في المهر، إذ لا يستحق إلا بعد ثبات النكاح، وأما إن ادعت عليه أنه تزوجها وطلقها قبل البناء أو بعده، ولا بينة لها، ففي كتاب ابن سحنون أنه لا يمين عليه، وهذا عندي على القول بأنها لا تحلف مع شاهدها وأما على القول بأنها تحلف مع شاهدها فيجب لها عليه اليمين إذ لم تأت بشاهد- والله أعلم. ولو لم يترك الميت وارثا فأتى رجل بشاهد أنه ابنه لا وارث له غيره، وأتت امرأة بشاهد أنها زوجته ولم يقر به الابن بها، لوجب على مذهب ابن القاسم أن يحلف كل واحد منهما مع شاهده ويقسم المال بينهما على ثمانية أسهم، للزوجة سهم، وللابن سبعة أسهم لأن الزوجة قد سلمت للابن ثلاثة أرباع المال وتداعيا جميعا في الربع، فيقسم بينهما، وعلى قول مالك يقسم بينهما على حساب عول الفرائض، فيكون المال بينهما أخماسا، للزوجة الخمس؛ لأنها تدعي ربع المال، وللابن أربعة أخماس؛ لأنه يدعي أن له جميعه وذلك أربعة أمثال ما تدعي المرأة. ولو أقرت بالابن وأنكرها الابن، لوجب أن يكون لها على مذهب ابن القاسم نصف ثمن المال، وللابن ما بقي؛ لأنها مقرة له بسبعة أثمان المال ويتداعيان في الثمن فيقسم بينهما، وأن يقسم بينهما على تسعة أسهم- على قول مالك، وبالله التوفيق.

.مسألة أهل العنوة أيتوارثون:

ومن كتاب المكاتب:
وسئل ابن القاسم عن أهل العنوة أيتوارثون؟ فقال: نعم، هم في مواريثهم وأهل الصلح سواء؛ قال: وسألت عن ذلك أشهب فقال مثل قوله، ثم قال: لو لم يعتبر ذلك إلا بأهل مصر، وأهل الشام قد غلبوا عنوة في زمن عمر بن الخطاب، فلم يزالوا يتوارثون من زمانه إلى اليوم؛ وإنما حالهم حال الأحرار من أهل الذمة كالمصالحين، غير أنهم حبسوا نظرا للعامة ولمن يجيء من الذرية يقبض منهم جزاهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في سماع يحيى من كتاب التجارة إلى أرض الحرب، وفي سماع عيسى من كتاب السلطان، فلا معنى لإعادته.

.مسألة يتوارث أبناء المغتصبة التوأم من قبل الأب:

ومن كتاب الأقضية:
قال يحيى: أخبرني ابن القاسم أنه سمع من يثق به يخبر أن مالكا قال: يتوارث أبناء المغتصبة التوأم من قبل الأب، قلت لابن القاسم: فمن أين يجب الميراث بينهما- ونسبهما غير ثابت.
قال محمد بن رشد: قد مضى طرف من التكلم على هذه المسألة ونظائرها في رسم طلق من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، ومضى الكلام على ذلك مستوفى في أول سماع ابن القاسم من كتاب اللعان، فأغنى ذلك عن إعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة تهلك عن زوجها وأمها وأختها فتدعي الأخت أخا:

من سماع سحنون بن سعيد وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: قال ابن القاسم في المرأة تهلك عن زوجها وأمها- وأختها فتدعي الأخت أخا ويصدقها الزوج وتنكر الأم: إنها تقسم على الإقرار ثم الإنكار فينظر إلى ما ازدادته الأخت في الإنكار على الإقرار، فيعزل، ثم ينظر إلى ما انتقصه الزوج من نصيبه في الإقرار فيضرب به ويضرب الأخ المدعي ما كان يصيبه في الإقرار في أصل الفريضة فيضربان جميعا فيما ازدادته الأخت على نصيبها في الإقرار.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة جيدة صحيحة في الاعتبار، بينة في المعنى، غير أن قوله فيها: ينظر إلى ما انتقص الزوج من نصيبه في الإقرار، وهم وكلام وقع على غير تحصيل، وصوابه: ينظر إلى ما انتقص الزوج من نصيبه في الإنكار؛ لأن نصيبه إنما ينتقص في الإنكار من النصف إلى ثلاثة الأثمان، من أجل العول الذي يدخل الفريضة؛ لأنها تعول بثلثها إذا عدم منها الأخ، فيرجع الزوج من النصف إلى الثلاثة الأثمان، والأم من الثلث إلى الربع، والأخت من النصف إلى ثلاثة الأثمان، والأخ يسقط العول من الفريضة، إذ لا فريضة معه للأخت، وإنما لهما جميعا ما فضل بعد النصف الذي للزوج، والسدس الذي للأم- وهو الثلث للذكر مثل حظ الأنثيين، فيصير له ثلثا الثلث، وهو التسعان، وإن شئت قلت الثمن وسبعة أتساع ويصير ثلث الثلث وهو التسع، وإن شئت قلت: ثمانية أتساع الثمن، فيفضل على الإقرار من نصيبها الذي وجب لها على الإنكار وهو ثلاثة الأثمان على ما ذكرناه، ثمنان وتسع ثمن؛ فالأخ يقول: لي من هذين الثمنين وتسع الثمن الذي برئت به أختي، الثمن الواحد وسبعة أتساع الثمن، ويقول الزوج: بل لي أنا من ذلك الثمن الواحد، لأنها بإقرارها بك، مقرة لي أني لم أستوف حقي، إذ لم أقبض نصف المال بسبب العول، وإنما قبضت ثلاثة أثمانه فيبقى لي الثمن، فوجب أن يقسم هذان الثمنان وتسع الثمن بينهما على قدر دعاويهما فيه، يضرب الزوج فيه بالثمن، والأخ بالثمن وسبعة أتساع الثمن، فقول ابن القاسم في هذه المسألة خلاف مذهبه المعلوم في المال بين الرجلين يدعي أحدهما جميعه والآخر نصفه: أن لمدعي الكل منه ثلاثة أرباعه، ولمدعي النصف ربعه؛ لأن مدعي النصف قد سلم النصف لمدعي الكل. ويتداعيان في النصف، فيقسم بينهما، مثل قول مالك: أنه يقسم بينهما على حساب عول الفرائض، لمدعي الكل ثلثاه، ولمدعي النصف ثلثه؛ لأن مدعي الكل يدعي مثلي ما يدعي مدعي النصف، والفريضة تنقسم من اثنين وسبعين، لأن وجه العمل فيها على ما رتبه أهل الفرائض أن تقام الفريضة على الإقرار وعلى الإنكار، ثم تضرب إحداهما في الأخرى، أو فيما اتفق من أجزائهما، فما اجتمع من ذلك، قسم على فريضة الإنكار، فما خرج من ذلك ضرب فيما بيد كل واحد منهم، فيكون ذلك هو الواجب له في حال الإنكار؟ وقسم أيضا على فريضة الإقرار فما خرج في ذلك، ضرب أيضا فيما بيد كل واحد منهم من الفريضة الأولى، فيكون ذلك هو الواجب له في حال الإقرار؛ والفريضة على الإنكار من ثمانية، لأنها تعول بالثلث من ستة إلى ثمانية، للزوج ثلاثة، وللأم اثنان، وللأخت ثلاثة، وعلى الإقرار من ثمانية عشر، لأنها لا تنقسم من أقل، للزوج تسعة، وللأم ثلاثة، وللأخت اثنان، وللأخ أربعة؛ وثمانية تتفق مع ثمانية عشر في الأنصاف فتضرب إحدى الفريضتين في نصف الأخرى فيكون جميع ذلك اثنين وسبعين. كما ذكرنا، فيجب للزوج من ذلك في الإقرار النصف: ستة وثلاثون، وفي الإنكار ثلاثة الأثمان: سبعة وعشرون، فازداد في الإقرار الثمن- وهو تسعة، ويجب للأم من ذلك في الإقرار السدس اثنا عشر، وفي الإنكار الربع- ثمانية عشر؛ لأنها رجعت بالعول من الثلث إلى الربع، ويجب للأخت من ذلك في الإنكار ثلاثة الأثمان من أجل العول- وذلك سبعة وعشرون، وفي الإقرار ثلث ما بقي بعد حظ الزوج وحظ الأم- وهو التسع- وذلك ثمانية، فتبرأ بتسعة عشر وذلك ما بين حظيها في الإقرار والإنكار، فيقول الزوج: لي من هذه التسعة عشر التي برئت بها الأخت تسعة؛ لأنها إذا أقرت بالأخ فقد أقرت لي أنه بقي لي من حقي تسعة، فأنا آخذها من تسعة عشر، لأني مقر بالأخ كما أقرت به؛ ويقول الأخ: لي من هذه التسعة عشر التي برئت بها الأخت ستة عشر الواجبة لي في الإقرار، فأنا آخذها منها فوجب أن تقسم التسعة عشر بينهما على حساب عول الفرائض، كما بين رجلين يدعي أحدهما منه تسعة أجزائه من تسعة عشر، والثاني ستة عشر جزءا منه من تسعة عشر، فيضرب فيها الزوج بتسعة، والأخ بستة عشر، فيجب منها للزوج ستة وأربعة أخماس وخمس خمس، وللأخ المقر به اثنا عشر وأربعة أخماس خمس، هذا على قول ابن القاسم في هذه المسألة وهو المشهور من مذهب مالك؛ ويجب من التسعة عشر للزوج على قياس القول الثاني وهو المشهور من مذهب ابن القاسم ستة، وللأخ ثلاثة عشر؛ والوجه في ذلك، أن الزوج يقول: لي من التسعة عشر تسعة، فقد سلمت لك العشرة، ويقول الأخ للزوج: لي من التسعة عشر- ستة عشر، فقد سلمت لك الثلاثة، فيأخذ كل واحد منهما ما سلم له صاحبه منها، للزوج ثلاثة، وللأخ عشرة، ويبقى من التسعة عشر ستة، يتداعيان فيها فتقسم بينهما بنصفين، فإن أقرت الأم يوما ما بالأخ برئت إليه وإلى الزوج بما ازدادته في الإنكار على الإقرار، وذلك ستة وهو نصف السدس، فتقسم هذه الستة بينهما على قدر ما بقي من حقوقهما في كل واحد من القولين، فيستوفي كل واحد منهم بذلك جميع حقه الواجب له على الإقرار- الزوج ستة وثلاثون، والأم اثنا عشر، والأخت ثمانية، والأخ ستة عشر، وبالله التوفيق.

.مسألة معه أم ولد له حامل وامرأة ضيفة حامل فتضعان في ليلة فيختلط الصبيان:

ومن نوازل سئل عنها سحنون وسئل سحنون عن رجل يسافر بامرأته فينزل على الرجل في قريته ومعه أم ولد له حامل وامرأة ضيفة حامل، فتضعان في ليلة فيختلط الصبيان، فلا يعرف كل واحد منهما ولده، يدعي كل واحد منهما صبيا منهما بعينه، لأنهما قد اختلطا ولا يعرفان، هل تدعى لهما القافة؟ فقال: نعم، تدعى لهما القافة.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة فيدعي كل واحد منهما صبيا منهما يقول هذا ولدي، ويقول الآخر: هذا ولدي يريد الصبي الآخر؛ مناقض لقوله في أول المسألة فلا يعرف كل واحد منهما ولده، ولقوله في آخرها وكلاهما لا يدعي منهما صبيا بعينه، لأنهما قد اختلطا ولا يعرفان؛
ولا تخلو المسألة من ثلاثة أحوال، أحدها: أن يدعي كل واحد منهما صبيا منهما بعينه غير الذي ادعاه صاحبه. والثاني: أن يدعيا جميعا واحدا منهما بعينه، وينكر كل واحد منهما الآخر وينفيه عن نفسه. والثالث: ألا يدعي واحد منهما أحدهما، فيقول: لا أدري أيهما ولدي؟ فأما إذا ادعى كل واحد منهما واحدا منهما بعينه ونفي الآخر عن نفسه فالواجب أن يلحق بكل واحد منهما من ادعاه منهما، فينبغي أن يحمل قوله في الرواية فيدعي كل واحد منهما صبيا منهما: يقول هذا ولدي، ويقول الآخر: هذا ولدي؛ على أن معنى ذلك: فيقول كل واحد منهما لصبي منهما بعينه أنا آخذ هذا الصبي فأتبناه ويكون ابني، ولا أعلم إن كان ابني أم لا؟ لأن إرادة كل واحد منهما تبني كل واحد منهما من غير أن يعرف أنه ابنه ودعاؤه إلى ذلك لا معنى له، والوجه في ذلك أن تدعى له القافة كما لو لم يدع إلى ذلك ولا إرادة، وأما إذا ادعيا جميعا واحدا منهما بعينه، فقال: هذا هو ابني ونفى الآخر عن نفسه، فالواجب في ذلك عندي على أصولهم أن يدعى له القافة أيضا، إذ ليس لهما أن ينفيا الآخر جميعا عن أنفسهما وقد علم أنه ابن أحدهما، والذي ادعياه جميعا ليس أحدهما أولى به من صاحبه، كالأمة بين الرجلين يطآنها جميعا في طهر واحد، فتأتي بولد فيدعيانه جميعا؛ وقد وقع لسحنون في أول نوازله من كتاب الشهادات مسألة من هذا النوع لم يقل فيها: إنه تدعى له القافة، كما قال في هذه؛ فمن الشيوخ من كان يحمل ذلك على أنه اختلاف من قوله، ومنهم من كان يقول هذه تفسير لتلك؛ ويجب على مذهبه أن تدعى له القافة في المسألتين جميعا؛ ومنهم من كان يفرق بين المسألتين بما ذكرته هناك- وهو أولى الأقوال عندي، فلا اختلاف على المذهب في وجوب الحكم بالقافة في هذه المسألة، ولا يقام منها الحكم بالقافة في أولاد الحرائر- وإن كان قد اختلف في ذلك، لأن ما اعتل به في التفرقة بينهما- وهو قوة فراش أحد الزوجين ما ذكرناه في سماع أشهب، معدوم في هذه المسألة، إذ لا مزية لأحد الفراشين على الآخر لصمتهما جميعا، وبالله التوفيق.

.مسألة صبيا ادعاه مسلم ونصراني:

قيل له: أرأيت لو أن صبيا ادعاه مسلم ونصراني، فقال المسلم: هو عبدي، وقال النصراني: بل هو ولدي؛ قال: يقوم على النصراني النصف الذي يدعيه المسلم ويكون عتيقا على النصراني، لأنه حين أقر أنه ابنه، فقد أقر أنه حر، وصارت الخصومة بين مسلم ونصراني، قومناه على النصراني وأعتقناه عليه.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه يقوم على النصراني النصف الذي يدعيه المسلم يريد بعد أيمانهما؛ لأن معنى المسألة، أنهما تداعيا فيه وهو بأيديهما جميعا وليس بيد واحد منهما، فإن حلفا جميعا، أو نكلا جميعا، كان الحكم فيه عندي ما ذكر؛ وإن نكل النصراني وحلف المسلم، كان عبدا له وبطل دعوى النصراني فيه؛ وإن نكل المسلم وحلف النصراني، كان ابنا له على ما ادعاه وحلف عليه؛ ولو كان العبد بيد أحدهما، لكان القول قوله مع يمينه فيما يدعيه من أنه عبده أو ابنه؛ وليس قوله إذا حكم بالعبد بينهما على ما يدعيانه بأن نصف النصراني منه يكون حرا، بمعارض للمسألة التي بعدها في قوله فيها: ولا يدخل عليه من عتقهم ما فيه مضرة على أخيه، والفرق بين المسألتين: أن هذه لم يتقدم إقراره بالملك فيها لشريكه قبل إقراره بما يوجب عليه العتق في نصيبه، ولا علم ذلك ببينة، وتلك تقدم إقراره فيها بالملك لأخيه، ولذلك لم يجز أن يعتق عليه حظه بإقراره أنه ابنه- والله أعلم. وأما قوله: إنه يقوم على النصراني النصف الذي يدعيه المسلم، فهي مثل قول أصبغ في نوازله من كتاب الشهادات في الرجلين يشتريان العبد ثم يشهد أحدهما على البائع أنه أعتقه، أنه يعتق عليه حظه ويقوم عليه حظ شريكه؛ خلاف قول سحنون في المسألة التي بعد هذا، فأراد أن يخرج هذا حرا عن غيره، فلا يكون عليه ضمان؛ لأن ذلك بين أن الضمان لا يكون إلا على من أعتق عن نفسه، وقول سحنون فيها: ولا يدخل عليه من عتقهم ما فيه مضرة على أخيه، خلاف قول عبد العزيز بن أبي سلمة في أول سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات، وقول المغيرة في نوازل سحنون منه في أحد الورثة يشهد على الموروث أنه أعتق عبده، أنه يعتق عليه حظه منه، ولا يقوم عليه حظ إشراكه، وبالله التوفيق.

.مسألة يهلك ويترك ولدا واحدا:

وسئل سحنون عن رجل يهلك ويترك ولدا واحدا، فيقول الولد لثلاثة من ولد خدم أبيه: هذا أخي، لا بل هذا أخي، لا بل هذا؛ وكان كل واحد منهما لأم ليس له منهم أخ شقيق، قال: الأول حر وقد أقر له بنصف الباقيين ونصف المال، فلا أرى إقراره في هذين الباقيين بالذي يبطل حق المقر له الأول، ولا يدخل عليه من عتقهم ما فيه مضرة على أخيه، لأنه ليس بمعتق فيضمن، وإنما اغتزى إبطال سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن أعتق شركا له في مملوك، فأراد أن يخرج هذا حرا عن غيره، فلا يكون عليه ضمان، وليس من سنة المسلمين أن تجوز شهادة واحد في عتق ولا يلحق بذلك نسب المقر له الأول.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة: إن الأول حر وقد أقر له بنصف الباقيين وبنصف المال صحيح لا إشكال فيه ولا اختلاف، وكذلك قوله بعد ذلك فلا أرى إقراره في هذين الباقيين بالذي يبطل حق المقر له الأول. وأما قوله: ولا يدخل عليه من عتقهم ما فيه مضرة على أخيه لأنه ليس بمعتق فيضمن، وإنما اغتزى إبطال سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن أعتق شركا له في مملوك، فأراد أن يخرج هذا حراء عن غيره، فلا يكون عليه ضمان، ففي ذلك ثلاثة أقوال، أحدها هذا: أنه لا يعتق عليه حظه ولا يقوم عليه حظ أخيه للعلة التي ذكرها، وهو قول مالك في المدونة وغيرها في أحد الورثة يقر لعبد أن الذي ورثوه عنه أعتقه، إذ لا فرق بينهما في المعنى؛ إلا أنه يستحب له أن يبيع نصيبه منه فيجعله في عتق، فإن اشتراه بعد ذلك أو ملكه بوجه من الوجوه، أعتق عليه، لإقراره أنه حر. والثاني: أنه يعتق عليه حظه ولا يقوم عليه حظ أخيه، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات، وقول المغيرة في نوازل سحنون منه، والثالث: أنه يعتق عليه نصيبه ويقوم عليه نصيب أخيه، وهو قول أصبغ في نوازله منه أيضا قاله في الرجلين يشتريان العبد ثم يشهد أحدهما على البائع أنه أعتقه، إذ لا فرق بين هذه المسائل، كلها في المعنى، ولكل قول منها وجه قد مضى بيانه في آخر أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات؛ ورأيت لابن دحون أنه قال: في هذه المسألة مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة فيها أن المقر به الثاني يعتق على المقر ويدفع إلى الذي أقر به أولا نصف قيمته، وكذلك المقر به آخرا؛ ثم يلزم المقر أن يدفع إلى الثاني نصف ما في يديه، ثم يدفع إلى الثالث نصف ما بقي في يديه أيضا؛ وذلك عندي كله غير صحيح، لأن قول عبد العزيز بن أبي سلمة إنما هو أن يعتق عليه حظه منه، ولا يقوم عليه حظ أخيه، وأما قوله وكذلك المقر به آخرا، يريد أن المقر به آخرا على مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة يعتق عليه أيضا ويضمن نصف قيمته إلى كل واحد من الأول والثاني، لأن كل واحد منهما يقول له: قد أقررت لي أنني أخوك، وأن هذا العبد الذي أقررت به الآن، وجب أن يعتق عليك، هو بيني وبينك، وأما قوله ثم يدفع إلى الثاني نصف ما في يديه- يريد مما ورثه سوى العبد، فهو قول سحنون بعد هذا فيما يشبه هذه المسألة؛ والصحيح أن يدفع إليه النصف الثاني مثلما دفع إلى الأول، لأنه يقول له قد أقررت لي أني أنا أخوك الأول، فادفع إلي نصف المال، وقد حكاه سحنون عن بعض أصحابه؛ وكذلك قول ابن دحون ثم يدفع إلى الثالث نصف ما بقي في يديه، الصحيح فيه أن يدفع إليه أيضا نصف المال، مثل ما دفع إلى الأول وإلى الثاني؛ لأنه يقول له قد أقررت لي أني أنا أخوك دون الأول ودون الثاني، وبالله التوفيق.

.مسألة كلهم لأم واحدة وأقر لأكبرهم بالنسب وكانوا عبيدا:

قيل له: فإن كانوا كلهم لأم واحدة وأقر لأكبرهم، قال: فإن الأول المقر له حر، وأمه وأخواه الباقيان أحرار وما بقي من المال فللمقر له الأول نصفه، لأنه لما أقر بالولد، فكأنما أقر بأمه أنها أم ولد لأبيه ولأخويه أنهما حران، وليس للأخوين من الميراث شيء، ولا يلحق واحد منهم بالنسب؛ قيل له فلو أقر لأصغر ولدها، فقال: إذا يكون حرا وتكون أمه حرة، وكان له نصف الباقيين وعتق عليه مصابته منهما، وأرى أن يعتق على المقر المستلحق لأخيه نصف الباقيين، لأن النصف الأول إنما عتق بسببه وإقراره، فلذلك أعتقت عليه ما صار له منهما، كالرجل يعتق نصف عبده فيعتق عليه ما بقي منه.
قال محمد بن رشد: هذا كله كما قال، وإنما قال؛ إذا أقر لأصغر ولده يعتق، وكان له نصف الباقيين أنه يعتق عليه مصابته منهما من أجل أنهما إخوته لأمه، فلا يصح له ملكهما، وقد بين وجه الذي رأى به أن يعتق على المقر حظه منهما بما لا مزيد عليه؛ ولو كان له فيهما شريك غيره، مثل أن يكونا أخوين فأقر أحدهما لأصغر أولاد أمة أبيه أنه أخوه، فيعتق على المقر له حظه منهما، وهو الثلث منهما؛ لعتق عليه أيضا هو حظه منهما، إذ لا ضرر على أخيه في ذلك إذ قد دخله العتق؛ بخلاف إذا لم يدخله عتق، لا يعتق على المقر حظه منه بإقراره له بما سبب عتقه، كما لا يعتق عليه حظه منه بإقراره أن غيره أعتقه- على ما مضى فوق هذا من قوله، خلاف ما ذكرناه من مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة وأصبغ، وبالله التوفيق.

.مسألة أقر لثلاثة أجنبيين ليسوا أولاد خدم أبيه:

قيل له: فلو أنه أقر لثلاثة أجنبيين ليسوا أولاد خدم أبيه، فقال: هذا أخي، لا بل هذا أخي، لا بل هذا أخي؛ فقال: يكون للأول المقر له نصف ما ورث عن أبيه، ويكون للثاني نصف النصف الذي بقي في يديه، فيصير له منه الربع، ويكون للثالث نصف الربع الذي بقي في يديه، قال سحنون: وقد قال فيها بعض أصحابنا إنه يغرم للثاني مثل ما صار للأول، ويغرم للثالث مثل ما صار للأول؛ لأن كل واحد منهما يقول أنت- أتلفت علي مورثي.
قال محمد بن رشد: القول الذي حكاه سحنون عن بعض أصحابه، أصح في النظر من قوله، للعلة التي ذكرها من أنه قد أتلف على كل واحد منهما حقه بإقراره به لغيره؛ وعلى هذا يأتي قول ابن القاسم في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح في الذي يقر بالعبد لرجلين، فيدعيه كل واحد منهما لنفسه خالصا، أن المقر يحلف أنه ما يعرفه لأحدهما- خالصا؛ فإن نكل عن اليمين، حلف المقر لهما وأغرماه قيمة العبد، وعلى قول سحنون في هذه المسألة لا يمين على المقر بالعبد لرجلين، ووجه قول سحنون أنه إنما أقر له بما في يديه وبما في يدي الذي أقر له قبله، فأشبه ذلك الوارث يقر بوارث، فلا يلزمه أن يدفع إليه إلا ما يجب له مما بيده، لأنه إنما أقر له بما في يديه وفي يدي غيره من الورثة، وليس هو مثله، إذ لم يتلف هو ما صار بيد غيره من الورثة، وبالله التوفيق.